بين منهجين "44"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني
الدّولة المنشودة التي ستقوم عن طريق الجهاد، هي الدّولة الوحيدة التي
تملك الشّرعيّة، وهي الدّولة التي ستعبّر بحقّ عن حقيقة هذا الدّين، وذلك
للأسباب التّالية:
أ - كثير من أهل العقل حينما يفكّرون بالدّولة
الإسلاميّة المقبلة، فإنّهم يصوّرونها، أو يتصوّرونها على شكل الدّولة
المعاصرة العلمانيّة، بكلّ ما فيها من هياكل ومؤسّسات، وإنّما يجعلونها
إسلاميّة ببثّ بعض الألوان الباهتة على هذه الهياكل ليتمّ صبغها بصبغة
إسلاميّة، وعلى ضوء هذا التّفكير فإنّهم يجابهون بمجموعة من الأسئلة الحرجة
عن صورة الدّولة الإسلاميّة، هذه الأسئلة التي تدفعهم لتقديم التّنازلات
الفقهيّة، وذلك بالبحث عن الآراء الشّاذّة للفقهاء لتلائم صورة الدّولة
المعاصرة، وهذه المسائل تبدأ من عقيدة الدّولة إلى أصغر شيءٍ فيها:
يسألونهم عن الدّيمقراطيّة والتّعدّديّة الحزبيّة: ومهما لفّ
مشايخنا أو داروا فإنّهم ولا شكّ أمام خيارين: أولاهما: الخروج من الإسلام،
وذلك بالفتوى أنّ الدولة الإسلاميّة تجيز التّعدّديّة الحزبيّة، لأنّ
التّعدّديّة الحزبيّة تعني جواز الأحزاب الكافرة والمرتدّة، هذه الأحزاب التي
سيسمح لها أن تمارس نشاطات الدّعوة إلى الكفر والشّرك، وهي التي سيسمَح لها
كذلك بالبلوغ إلى الحكم، وحيث أجاز الشّيخ هذا الفعل فإنّه جدير بلفظ: كافر
ومرتدّ.
والغريب من هؤلاء المشايخ أنّهم بلغوا إلى حالة من الانهيار
الخلقيّ والفكريّ في توهّم أدلّة التّعدّديّة الحزبيّة إلى درجة لا يمكن أن
تخطر على بال مسلم: فهذا شيخ يستدلّ على وجود الأحزاب الكافرة في الدّولة
الإسلاميّة بوجود المنافقين زمن دولة الرّسول صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء
المنافقون (وهم كفّار على الحقيقة) كانوا يمثّلون حزباً سياسيّاً، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يعرفهم، فلم يمنعهم من ممارسة حقّهم
الحزبيّ.
وشيخ آخر يقول: بوجود الخوارج زمن عليّ بن أبي طالب،
وأنّ عليّاً رضي الله عنه لم يمنعهم من ممارسة حقّهم الفكريّ، وإنّما قاتلهم
لحملهم السّلاح ضدّ المجتمع المسلم، فالخوارج بصورتهم الحقيقيّة هم كصورة
الحزب السياسيّ المعاصر.
وشيخ آخر يستدلّ بوجود المعتزلة والرّوافض...
الخ في داخل المجتمع الإسلاميّ، وهؤلاء أحزاب معارضة سياسيّة.
وأنا
والله يأخذني العجب من هذه الآراء والدّلائل، لا لضعفها ولكن لقلّة حياء
أصحابها، ولا أدري عن هؤلاء المشايخ أينظرون إلى المرآة كلّ يوم أم لا؟ لأنّي
أجزم أنّ الذي فوق أكتافهم ليس شيئاً يسمّى العقل، بل هو شيء آخر يوجد عند
بعض خلق الله تعالى.
إنّ من حقّ النّاس أن يسألوا جماعات الإسلام
الدّيمقراطيّ (وهو ثنائيّة تعادل الإسلام المسيحيّ، و الإسلام اليهوديّ، و
الإسلام البوذيّ). أقول إنّ من حقّ النّاس أن يسألوا هذه الجماعات عن
التّعدّديّة السّياسيّة في دولتهم بعد استلامهم الحكم، ذلك لأنّهم وصلوا
الحكم عن هذا الطّريق، وبعد توقيعهم واعترافهم على هذا المبدأ، فهل يجوز لمن
وصل بهذا الطّريق أن يلغيه أو يتجاوزه؟. وأمّا الخيار الثّاني: فهو استخدام
المعاريض.
سيسألون عن المرأة وحرّيتها الشّخصيّة، وعن الأقلّيّات
الدّينيّة، وعن الموسيقى، وعن علاقة حسن الجوار مع الدّول الأخرى، وعن بقائهم
تحت حكم الأمم المتّحدة، وأسئلة أخرى لا تنتهي، وهم في الحقيقة على حقّ في
هذه الأسئلة، لأنّهم يعرفون ما معنى دولة الإسلام، فهي حاضرة في أذهانهم
كدولة بديلة لكلّ ما هو موجود في هذا العصر، حاضرة في أذهانهم أنّها دولة
القوّة، ودولة الفضيلة، ودولة الدّعوة والجهاد، ومن حقّهم أن يروا هذه
الدّولة متناقضة مع كلّ ما يعيشونه من رذائل ومفاسد، لكنّ مشايخنا لهم رأي
آخر، فقد استطاعوا بكلّ ذكاء أن يلبسوا الكفر إسلاماً، والرّذائل
فضائلاً.
إذا قامت دولة الإسلام عن طريق الجهاد فهي قد اكتسبت
شرعيّتها من القوّة التي يملكها أهلها، قوّة وشوكة ومنعة وصلت إلى حدّ
التّمكين، ومن حقّ القويّ أن يفرض ما يريد، فهو الذي يكتب التّاريخ، وهو الذي
يرسم معالم الحياة.
نعم إنّ القوّة هي التي تكتب التّاريخ والحياة،
وأنا أعلم أنّ بعضهم ممّن خدعتهم مظاهر الحياة سيقول غير هذا، ولكن: هذا
التّاريخ أمامكم بماضيه وحاضره، اقرأوه، وعوه، فهل تجدون أمّة من الأمم،
ودولة من الدّول قامت من غير قوّة، ثمّ حافظت على نفسها من غير قوّة؟ لقد
أنزل الله الحديد فيه بأس شديد، والأفكار لا تُحمى إلاّ بالبأس والحديد. فإذا
قامت دولة الإسلام عن طريق الجهاد، ولن تقوم بالجهاد حتّى تحرق كلّ الرّذائل
في طريقها، فالجهاد هو النّار التي ستقضي على كلّ بذور الشّرّ في مجتمعنا،
فإذا قامت الدّولة بالحرب والقتال، فليس من حقّ أحد أن يُطالب في رسم معالم
دولتنا ومجتمعنا، وحينئذٍ سيحكم الإسلام الذي نعرفه، لا الإسلام الهجين
الدّخيل.
خلال مرحلة الجهاد: ستطهّر الأرض من غربان الشّرّ،
وأبوام الرّذيلة، ستلاحق هذه المسوخ التي تسمّى كذباً وزوراً بالمفكّرين،
وسيصفّى الرّتل تلو الرّتل: العلمانيّون، والشّيوعيّون، والبعثيّون،
والقوميّون، وتجّار الأفكار الوافدة، نعم نحن نعرف أنّنا لن نصل حتّى نعبّد
الطّريق بجماجم هؤلاء النّوكى، وليقل العالم أنّنا برابرة، فنحن كذلك لأنّ
البربر هم في عرف هذا العصر أنّهم الذين يدافعون عن حقوقهم، ويطالبون بحقّهم
في الحياة (وللذِّكر فإنّه لا يجوز للمسلم أن ينبز أخاه بالبربريّ، لأنّ
البربر هي قبائل مسلمة، وهذا من التّنابز بالألقاب، ومن أخلاق الجاهليّة).
وسيقولون عنّا: أنتم أعداء الحضارة. نعم نحن أعداء حضارة الشّيطان، وقتلة
رموزها ورجالها. وسيقولون عنّا: إرهابيّون، نعم نحن كذلك، لأنّ الشّرّ لا
يخنس إلاّ بالسّيف والنّار. أمّا هؤلاء المشايخ الذين يتحلّلون من كلّ فضيلة
مخافة الاتّهام بالعنف والإرهاب والدّكتاتوريّة، فلن يرضى عنهم اليهود ولا
النّصارى، حتّى يخلعوا اسم الإسلام كذلك.
هاهم يتسابقون في اكتشاف
الأقوال الشّاذّة الفاسدة، ليقدّموها إلى العالم أنّها تمثّل الإسلام الأصيل،
فما الذي جنوه؟ ملئوا الدّنيا جعجعة أنّ الإسلام هو الدّيمقراطيّة، فهل سمح
لهم حسني مبارك بتكوين حزب سياسي؟، بكوا على أعتاب بابه السّنين والأيّام فما
جنوا غير الخزي والعار. إنّ أشدّ الدّول ديمقراطيّة لن تستطيع أن تكون
بديمقراطيّتها كما يريد راشد الغنّوشي في دولته الدّيمقراطيّة، فما الذي جناه
هو وحركته من طاغوت تونس؟ راشد الغنّوشي يتحدّى أن يوجد في برنامجه السّياسيّ
بند تطبيق الشّريعة الإسلاميّة، وليس همّه حين يستلم الحكم أن يطبّق
الشّريعة، بل همّه نشر الحرّيّة، وتوفير فرص العمل، فهل بعد ذلك كلّه رضي له
الكفر أن يمارس حقّه في أن يعيش؟!!.
(اللهمّ لا شماتة).
والله
إنّي لأشفق على هؤلاء، وأتمنّى لهم من كلّ قلبي أن يهديهم الله تعالى.
خلال مرحلة الجهاد: ستقطف رؤوس الصّحفيّين المفسدين في الأرض،
فنحن لسنا بحاجة إلى سحرة فرعون، وليسمّينا النّاس أعداء الفكر والرّأي، فنحن
رأينا من حرّيّة قوانينهم ما تشيب منه ألعبانين.
نعم: لن
أحدّثكم بهذه الفضائل التي جنيناها في زمن الديمقراطيّة والحريّة والنّظام
العالميّ الجديد، لكن يكفي أن نقنع أنفسنا أنّنا في هذا الزّمن المتقدّم
والمتحضّر: قد أكلنا السّمن والعسل، ونمنا في أوطاننا بأمن واطمئنان، وكنّا
سواسية كأسنان المشط، فمن قال لكم أيّها المغفّلون إنّ فلسطين قد ضاعت،
فاليهود أبناء عمومتنا، ومن حقّ ابن العم أن يأكل من قصعة ابن عمّه، ومن قال
لكم أيّها المغفّلون إنّ سوريّا الشّام تحت قبضة النّصيريين، فالنّصيريّون هم
العلويّون، وهم لآل البيت ينتسبون!.
أيّها القوم كفى كذباً وأفيقوا
رحمكم الله.
نعم سنقيم دولة الإسلام إن شاء الله بالحديد والنّار،
لأنّهما هما سنّة الله في تنقية الذّهب مما يعلق فيه من الشّوائب
والأزبال. |