بين منهجين "45"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني
إنّ الدّولة الوحيدة التي تملك الشّرعيّة وتمثّل صورة الإسلام الصّحيح،
وتنطوي على جوهره هي الدّولة التي تقوم عن طريق الجهاد
(القتال).
فلو سأل سائل: لو أنّه قدّر لبعض التّجارب الدّيمقراطيّة
أن توصّل الإسلام إلى سدّة الحكم، فهل يعني هذا أنّ الحكم لا يسمّى
إسلامياً؟.
وقبل الجواب على هذا التّساؤل فإنّه ينبغي أن يعلم أنّ
دولة الإسلام الضّائعة لن تقوم بهذا الطّريق الشّركيّ، وعلى الإسلاميين
الديمقراطيّين أن يكبحوا جماح أحلامهم في تحصيل الخير أو بعضه عن طريق
البرلمان والدّيمقراطيّة، مع أنّ أصحاب هذا المنهج تختلف تصوّراتهم في توصيف
أسباب دخولهم البرلمان: فلو أخذنا الدّيمقراطيين الإسلاميين من الإخوان
المسلمين في الأردن وسألناهم عن سبب ولوجهم هذا الطّريق لرأينا العجب العجاب:
فهذا الدكتور همّام سعيد يعلن: أننا لن نسعى إلى أن نكون الأغلبيّة في
البرلمان الأردني. ا. هـ. وهذا شيء يضحك منه الديمقراطيّون في العالم أجمع،
لأنّ كلّ كتلة برلمانيّة في العالم تسعى إلى تكوين الأغلبيّة للوصول إلى
الحكم، أمّا تعليل الدّكتور همّام سعيد - وهو من "الإخوان المسلمين" - لعدم
السّعي لتحصيل الأغلبيّة في البرلمان فيقول: حتّى لا نصبح مشرّعين، إذ أنّ
التّشريع كفر، وإنّما نحن معارضة، نوصل كلمة الإسلام للبرلمان ولأصحاب
الشّأن. ا. هـ. والصّحيح أنّ السّبب الحقيقيّ هو: أنّ الأغلبيّة في البرلمان
الأردنيّ (مجلس النوّاب) لا قيمة لها، ولا أهميّة لها في الثّقل السّياسيّ
الأردنيّ، لأنّ القانون الأردني لا يوجب على الدولة أن تقبل بالتّنازل عن
السّلطة لشيء يسمّى الأغلبيّة البرلمانيّة، فلو فرضنا أنّ عدد الإخوان
المسلمين بلغ في البرلمان الأردنيّ 80/80 أي أنّه يسيطر على جميع مقاعده، فلا
يلزم أنّ للإخوان المسلمين الحقّ في تشكيل الحكومة الوزاريّة، بل هم سيبقون
في عداد المعارضة، لأنّ الملك هو الحكومة وهو الذي له الحقّ في تشكيل الحكومة
والوزارة، ثمّ لو افترضنا أنّ البرلمان كلّه حينئذٍ يمثّل المعارضة وأراد أن
يحجب الثّقة عن وزارة الملك فإنّ البرلمان له الحقّ أن يسقط الوزارة الأولى
بحجب الثّقة عنها، فإذا سقطت يقوم الملك بتعيين وزارة ثانية وتعرض على
البرلمان لأخذ الثّقة، فإذا حجب البرلمان الثّقة عنها مرّة أخرى حينئذٍ يحقّ
للملك أن يحجب البرلمان أي أن يلغيه ويطرده، أي له الحقّ أن يحلّ البرلمان،
وكذلك رقبة البرلمانيين، هكذا يقول الدّستور. من أجل هذا المأزق الذي سيواجه
الأغلبيّة في البرلمان فإنّ الإخوان المسلمين ليسوا على استعداد لهذه
المواجهة، فالطّريقة المثلى لعدم حصول هذا التّصادم هو عدم تحصيل الأغلبيّة،
هذا هو الواقع وليست المسألة عندهم مسألة تشريع أو غير تشريع لأنّها لو كانت
كذلك عند الإخوان المسلمين في الأردن لما قبلوا أن يعيّنوا رجلاً إخوانيّاً
على رأس مجلس التّشريع الشّركي، وهو الذي يوقّع على جميع قرارات المجلس
ويرفعها إلى الدّولة بغضّ النّظر عن إسلاميّة القرار أو عدم إسلاميّته. ولو
كانت المسألة كما قال الدّكتور همّام لما قبل الإخوان المسلمين أن يقدّموا
رجلاً إخوانيّاً إلى وزارة الشّرك (العدل) فيكون قائماً على رأس هذه الوزارة
اللعينة.
وتصوُّر الدّكتور همّام ليس هو تصوُّر جميع الدّيمقراطيين
هناك، فإنّ مراتب النّظر إلى البرلمان ودور حركة الإخوان المسلمين في
البرلمان تتفاوت إلى درجة رهيبة تصل إلى أنّ بعضهم ينظر إليه من حيث أنّه من
خلال البرلمان يستطيع أن يقضي حوائج عشيرته لما يمثّله البرلمان من ثقل
وجاهيّ عشائريّ.
وفي لقاء بين إخوانيّ أردنيّ وإخوانيّ يمنيّ رأى
النّاس فارقاً عجيباً بين نظرة كلّ واحد إلى البرلمان ودور الحركة الإسلاميّة
فيه، فالبرلمانيّ الأردنيّ يرى كفر النّظام، وأنّ البرلمان هو طريق للتّغيير
الشّموليّ، وأنّه سيساعد أو سيقوم بذاته في عمليّة التّغيير الانقلابيّ
للدّولة. الإخواني البرلمانيّ اليمنيّ انتفض لهذه النّظرة، فهو يرى أنّ أعضاء
الإخوان المسلمين في البرلمان اليمني هم جزء من تشكيلة الدولة الشّرعيّة في
اليمن، فكيف سينقلب الرّجل على نفسه، فالإخوان جزء من الدّولة فكيف سيغيّروا
أنفسهم، إذاً فالبرلمان جزء من الدّولة لترشيدها ولأداء دور داخل الكيان لا
خارجه ولا لِقَلبِه.
جبهة الإنقاذ الجزائريّة كان لها رؤية أخرى
للدخول في المسار الدّيمقراطيّ الشّركي (ونحن نصرّ ونؤكّد أنّ هذا المسار
شركيّ كفريّ لأنّ البرلمان هو مالك السّيادة التّشريعيّة في النّظم
العلمانيّة وهو عندنا في دين الله تعالى هو لله ربّ العالمين، ومن لم يفقه
هذا لم يفقه شيئاً من الواقع أو الوحي)، وهي رؤية كانت بمجملها في لفظين
"المطالبة وإلاّ المغالبة" أو حسب قول مسئول فيهم بقوله: إذا قالوا انتخاب
انتخبنا وإلاّ قاتلنا.
ومجمل قولهم أنّهم سيدخلون في اللعبة
الدّيمقراطيّة لثقتهم أنّ الشّعب سينتخبهم فيبلغوا إلى درجة تخوّلهم أن
يغيّروا الدّستور، ومع أنّ الجبهة هي كاسمها: خليط غير متجانس، كلّ حسب رؤيته
ومفهومه، وفيها من عوامل الانهيار الذّاتي ممّا يجعلها غير قادرة على الخروج
برؤية واضحة للأحداث والعقبات، ويدلّ على ذلك أمران: أولاهما: أزمة الخليج،
وثانيهما: ضرب الدّولة وتشتّت الجبهة إلى ما هي عليه الآن، ولا أدري لم يجعل
بعض النّاس ممّن يكفر بالدّيمقراطيّة جبهة الإنقاذ حالة خاصّة تخرج عن زمرة
الدّيمقراطيين الإسلاميين، فهم يتكلّمون عن الإخوان وديمقراطيّتهم بكثير من
الحماس النّاقد، فإذا اقتربوا من جبهة الإنقاذ كاعوا ورجفوا، وكأنّها ليست
على النّسق والتّساوي مع الآخرين من الدّيمقراطيين، ولعلّ الخطاب الثّوري
الذي كان يردّده علي بن حاج هو الذي جعل هؤلاء يخرجون الجبهة عن هذه الزّمرة،
وهذا خطأ كبير لأنّ العلّة التي تلحق الجماعة بهذه الزّمرة متحقّقة في الجبهة
كما هي متعلّقة بغيرها من النّهضة والإخوان والجماعة الإسلاميّة الباكستانيّة
وغيرها من الجماعات السّالكة طريق الدّيمقراطيّة.
هذا التّغاير في
الهدف، والتّغاير في التّوصيف للعمل الدّيمقراطيّ يجعل هؤلاء القوم من أبعد
النّاس عن تحصيل الهدف، وذلك لعدم تصوّرهم له أو معرفتهم بحقيقة الأسلوب لا
من الوجهة الشّرعيّة ولا من الوجهة الواقعيّة.
لكن لو افترضنا جدلاً
أنّ فرقة من الفرق وصلت إلى سدّة الحكم عن طريق الديمقراطيّة وحكّمت الشّريعة
فهل يكون الحكم إسلاميّاً بهذه الطّريقة؟ الجواب بكلّ وضوح: لا، فكلّ قانون
وإن كان يلتقي مع الشّريعة الإسلاميّة في حدّه ووصفه وفرض عن طريق البرلمان
وخيار الشّعب لن يكون إسلاميّاً، بل هو قانون طاغوتيّ كفري.
لماذا
هذا؟.
أيّ حكم حتّى يكون شرعيّاً إسلاميّاً لا بدّ من النّظر إلى
أركانه وأهمّ أركانه هو النّظر إلى الحاكم ومن هو؟ فإن كان الحاكم (المشرّع)
هو الله كان الحكم إسلاميّاً، وإن كان الحاكم (المشرّع) غير الله كان الحكم
طاغوتياً كافراً. ومن هنا فإنّ الأخلاق الصّحيحة التي يدعو إليها الدّين
النّصرانيّ لا تعتبر إسلاميّة، لأنّ الجهة الحاكمة (المشرّعة) لهذا الحكم
ليست الجهة الحاكمة للحكم الشّرعيّ. فالحكم الشّرعيّ يكتسب قوّته لأنّه صادر
ممّن له الحقّ في إصدار هذا الأمر وهو ربّ العالمين، وحتّى يكون شرعيّاً لا
بدّ أن يكون تكييفه شرعيّاً وإلاّ لا. والحكم الصّادر عن البرلمان يكتسب
قوّته من مالك السّيادة في النّظام الدّيمقراطيّ، فقد يكون الشّعب فقط وقد
يكون الشّعب والملك معه أو الأمير وهكذا، فلو صدر قانون منع الخمر من
البرلمان فهو قانون تكييفه الشّرعيّ هو قانون كفريّ طاغوتيّ، وإذا قال الحاكم
نحن حرّمنا الخمر لأنّ الله أمرنا بهذا لكان قانوناً مسلماً. وللتّمثيل نقول
: ما الفرق بين النّكاح والسّفاح من وجهة شرعيّة مع أنّهما يعبّران عن حقيقة
واحدة؟ النّكاح جائز لأنّه بكلمة الله - كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ((واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله)) وكلمة الله هنا معناها حُكمه وليس
العقد كما يقول البعض -، والسّفاح تمّ بكلمة أخرى غير كلمة الله تعالى، فكان
حراماً وإثماً.
فالقانون الصّادر من البرلمان مصدر بكلمة: باسم
الشّعب، أو قرّر مندوبو البرلمان، فهو قانون طاغوتيّ اكتسب قوّته من إله
باطل.
أمّا القانون الإسلاميّ فهو المصدر بكلمة باسم الله. فالذين
يبحثون عن تحكيم الشّريعة الإسلاميّة عن طريق البرلمان عليهم أن يراجعوا
أركان الحكم الشّرعيّ، وكيف يكون إسلاميّاً، وكيف يكون الحكم طاغوتيّاً
كافراً؟. |