بين منهجين "59"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني
ومن موجبات وجود جماعات الجهاد في العالم كون الجهاد هو السبيل الأجلى
والأقوى في تجلية حقائق الرجال وقدراتهم، فبه تتمحّص النفوس، فتظهر على
حقيقتها، فيقدَّم حينئذ من يقدِّمه الجهاد، ويؤخَّر من يؤخِّره
الجهاد.
إنّ أمراض الحركات الإسلامية كثيرة وكثيرة، وإنّ من أعظم
أمراضِها التي تعاني منها هو وصول أنصاف الرجال أو أرباعهم أو أعشارهم إلى
القيادة بسهولة ويسر، فبعض الجماعات تقدِّم الأكثر ثراءً ومالاً، وبعضها
يقدِّم الأكثر مرتبةً في الوظيفة أو العشيرة، وبعضها يقدّم الأبلغ خطاباً
وبياناً، وهذه ليست من ميِّزات القيادة في شيء، بل إنّ تقديم هذه الأوصاف
لعلّةِ هذه الأوصاف يجني على الحركة ويقضي عليها، وهذا هو الواقع والحاصل في
الحركاتِ الإسلاميّة فإنّ مما يلاحظه الناظر لبعض الحركات الإسلاميّة
التقليديّة أنّه كلما ارتفع الرّجل في السلّم القيادي داخل الجماعة كلّما
سَفُلَ تديّنه، وقلّت صلته بحقائق هذا الدّين، وصار أقرب إلى الفسق منه إلى
الإيمان، فأنت تنظر إلى جماعة من الجماعات التي ملأت الدنيا اسماً وصيتاً ثمّ
تحاول أن ترى شيئاً يميّز القيادة في علمها أو دينها أو قدرتها الإداريّة فلا
ترى إلاّ مسوخاً من الرّجال، إذا تكلّم أتى بالمصائب، وإذا فعل أودى بالجماعة
إلى المهالك، ولسنا بحاجة إلى التّذكير أنّ مراقباً لهذه الجماعة في بلدٍ من
البلاد قد مُنِع من اللقاءات الصحفيّة بعد لقاء - مصيبة - مع إحدى الصّحف حيث
ظهر أنّه لا يصلح إلاّ وراء بسْطة (طاولة) من بسطات بائعي البَندورة، وإذا
حوججت الجماعة لماذا هذا؟، قالوا لنا: هذا قائد رمز فقط، وليس بيده شيءٌ من
حقائق الإدارة والقيادة، ولا أدري كيف تقبل الجماعات الإسلاميّة بمثل هذه
الألاعيب (أن تسمي رجلاً من الرجال رمزاً)؟؟، وكيف يقبل هذا الرجل إن كان
رجلاً أن يكون رمزاً؟ عجبي!.
في بلد من بلاد الردّة سمِّيت قيادةٌ من
قياداتِ الجماعة الإسلاميّة المذكورة بـ «الشّركة» أي أنّ مجلس الشورى سمّي
بشركة فلان (قائد الجماعة): لأنّ قيادة الجماعة هذه كلّها من أسرة هذا
القائد، فهذا من بلده، وهذا زوج ابنته، وهذا نسيبه وهذا شريكه، وهذا صاحبه،
فحقّ للقواعد أن تسمّي قيادة الجماعة بشركة هذا المراقب العام لهذه الجماعة
في هذا البلد.
حين تصبح الجماعة مهمّتها توصيل الرجال (رجالها) إلى
البرلمان، فمن المقدّم حينئذٍ في هذه الجماعة؟:
1 - لأنّها تحاول
جاهدة لكسب أصوات العشائريين، ورجال القبائل فإنّها ستتغاضى عن الكثير من
المواصفات والميّزات في الرجال مقابل أن تبحث عن رجل تدفع له عشيرته أصواتها،
فحينئذٍ المقدَّم هو رجل عشائريّ.
2 - ولأنّها بحاجة إلى المال من أجل
الدعاية الانتخابية فإنّها ستقدّم الرجل الأكثر مالاً، وستتغاضى عن الكثير من
الصفات الشّرعيّة للعدالة حتى تستفيد من قدراته الماليّة.
هذه الخروق
وغيرها تجعل وصول الوصوليين والانتهازيين والنّفعيين والعملاء إلى القيادة
سهلاً وميسوراً، وقد كان، وهذا حال الكثير من التنظيمات والتّكتّلات
والتّجمّعات الإسلاميّة، حتّى المراكز الإسلاميّة لو نظرنا إلى القائمين
عليها لرأيناهم على الحال الذي تقدّم وصفه.
وحتّى لا أبتعد في ذكر
المطلقات فسأمرّ على بعض الحوادث التي تبيّن حال قيادات العمل الإسلامي، وهي
في الحقيقة أسئلة موجّهة إلى هذه الحركات لتجيب عليها، وهي أسئلة عليهم أن
ينظّفوا أنفسهم من تَبِعاتها قبل أن يطاولوا بأنفسهم كالدّخان في اتّهام
الآخرين، وادّعاء العلميّة والموضوعيّة، أو ادّعاء تصفيّة الصّف من المنافقين
والمخابرات:
أ) هناك رجل مصريّ، هرب من مصر إلى بلاد الشّام واسم هذا
الشّخص نجيب جويفل، ظهر بعد ذلك أنّه رجلٌ مخابراتيّ من الدرجة الأولى، هذا
الشّخص كان له مهمّة تغيير القيادة في بلاد الشّام - الأردن وسوريّا ولبنان -
وقد نجح، فقد أزال الشّيخ أبي قورة من الأردن عن منصب المراقب العام، وعيّن
غيره في ليلة ليلاء ولم يُعرف إلى الآن سرّ التّغيير، وحدث كذلك في سورية
ولبنان... الرجاء كشف سرّ نجيب جويفل.
ب) حين يعترف القائد المنظّر،
شيخ المشايخ أنّه جلس مع ضبّاط مخابرات سعوديين من أجل دعمه لنشر كتابه «وجاء
دور المجوس» الذي نشره بغير اسمه، لأنّه أجاز لنفسه أن يتعاون مع الدّولة
السّعوديّة ضدّ الشّيعة الرّوافض، فماذا يسمّى هذا الفعل؟، وفي بلادنا مثلٌ
عاميّ يقول: "اللي على رأسه بطّيخة يحسّس عليها".
ج) شيخ المشايخ هذا
الذي يتبجّح بتسمية خصومه بالنّكرات أو الأبوات حصلت معه القصّة التّالية:
اتّصل به رجل كويتيّ لزيارته فرحّب به أشدّ التّرحيب (حسناً فعل)، ثمّ قام
الشّاب الكويتيّ بإخباره أنّه سيصاحبه في الزّيارة شابّ آخر، شيخ المشايخ سأل
الشّاب الكويتي عن جنسيّة الصّاحب: قال له الشّاب: إنّه من المغرب، قال شيخ
المشايخ: لا، لا، لا تأتي به، استغرب الشّاب الكويتيّ وسأل شيخ المشايخ،
فعلّل شيخ المشايخ سبب عدم استقباله للمغاربة واستقباله للكويتيين أنّ
المغاربة أصحاب مشاكل.
ولكن الصّحيح أنّ العلّة لاستقبال الكويتيين هي
أنّ في جيوبهم مالاً.
نعم إنّ تصفية الصّف المسلم هي مهمّةٌ عظيمة،
ولكن من الجهل الفاضح، والعلميّة المفقودة تبني القول: إنّ جماعات العنف
المسلّح، والجهاد القتالي هي الأكثر عرضة للاختراق، فليس هناك من مقدّمات
موضوعيّة لهذا الحكم القطعيّ، ثمّ أليس القول إنّ جماعة من الجماعات حين تجعل
القيادة تؤول مباشرة إلى الأكبر سنّاً مثلاً، هي جماعة تؤول قيادتها إلى غير
مقدّمات شرعيّة معتبرة، ثمّ لقد كان هناك اختراق لكلّ الصّفوف ولكن لو رأينا
النّتيجة التّالية تبيّن لنا مقاصد الاختراق عند كلّ جماعة لنعرف قيمة كلّ
جماعة على حدة.
جماعة الطليعةِ المقاتلة السّوريّة اخترقت من قبل أبي
عبد الله الجسريّ، وكان مهمّة هذا العميل أن يسلّم القيادة إلى السّجن وإلى
حكّام الردّة في سوريّا وقد كان، بل استطاع هذا الزّنديق أن يودي بالكثير من
الإخوة إلى السّجون، إذن فمقصد اختراق الجماعات المسلّحة هو إفناء هذه
الجماعات وتدميرها، وإزالتها بالكلّيّة، لأنّها بمجرّد وجودها تعدّ خطراً
محقّقاً على أنظمة الحكم المرتدّة في البلاد.
جماعة الإخوان المسلمين
اخترقت أكثر من مرّة وكان قصد الاختراق ليس إزالتها وإفناءها، ولكن تحويرها
إلى أعمالٍ تخدم مصالحَ الطّاغوت، أو توسيدها إلى قيادات عميلةٍ للطّاغوت،
وقد كان، وتواثُقُ هذه الجماعة مع الحكومات واتّصالاتها بهم أكثر من أن
تستوعبها هذه العجالة.
الجماعات الصّغيرة والمتناثرة يتمّ اختراقها
بقصد مرحليّ كأن تستغلّ هذه الجماعات في ظرف من الظروف تتلاقى فيها مقاصد
الطّاغوت مع بعض مقاصد هذه الجماعات، وأكبر مثالٍ على ذلك ما ضربنا من مثل مع
الشّيعة الرّوافض، حكّام إيران هم أخطر الأعداء على أهل السنّة، فاتّفقت
مقاصد هذه الجماعة مع مقاصد بعض حكّام الردّة كالسّعوديين مثلاً فكان
الاختراق.
وقبلها كذلك جماعاتُ العمل الجهاديّ المسلّح في فلسطين،
فإنّه بين الحين والآخر ترى الارتماء مع بعض دول الرّفض كما يسمّونها وبين
هذه الجماعات لتوافق المقصد المرحليّ لهذه الدّول.
بين الحين والآخر
يزعم أهل التحليل السياسي الثّاقب من مشايخنا وجود اختراق للطاغوت لجماعات
التوحيد والجهاد، وعمدة قولهم يقوم على بعض الأعمال التي تنمّ على ما قدَّمنا
من أن قصد اختراق هذه الجماعات هو إفناؤها وتدميرها لا دعمها وتقويتها،
ومثاله ما قاله البعض من أن مقتَل أمراء الجماعة الإسلامية المسلّحة الواحد
تلو الآخر هو دليل على أنها مخترقة من الطاغوت، وهو يدل على أن هذه الجماعات
ما دامت موجودةٌ عاملةٌ على الساحةِ فإنها لم تخترق بالدّرجة الكافية التي
يريدها الطّاغوت، هذا إن وافقناهم على تحليلهم هذا، ولسنا كذلك، وهذا يدلُّ
على أن العمل الجهادي لن يتصدّى لقيادته، ولن يخلص إلى رياسته إلا الأوفياء
له، لأنّ نهاية أمْرهم الموت والقتل، ولا يوجد رجل عميل يبِيع نفسه وروحه من
أجل المال.
اختراق الجماعات الأخرى يؤدي بهؤلاء العملاء إلى القيادة
والسّيادة والرّياسة.
اختراق جماعات التوحيد والجهاد يؤدّي إلا الموت
والقتل.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.. |