منبر التوحيد والجهاد
طبع المادة كاملة 1 ...
بين منهجين "64"
   بين منهجين "64"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني

وبعد أن قرّر الله تعالى حُكم الأسوة والقُدوة، وأنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فحيث أنه صبر فعليكم أن تصبروا، وتقاتلوا، فلا ينبغي لكم أن تتركوه وحده في مواطن القتال والنزال، بل لا يجوز لكم أن تستأذنوه في ترك القتال كما قال الله تعالى: {لو كان عرَضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتّبعوك ولكن بعُدَت عليهم الشقة، وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون * عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتّى يتبيّن لكَ الذين صدَقوا وتعلَم الكاذبين * لا يستأذِنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين * إنّما يستأذنُك الذين لا يؤمنون بالله واليومِ الآخر وارتابت قلوبُهم فهم في رَيْبهم يتردّدُون} التوبة. ذلك لأنّ الاستئذان هو هروب من نصرة دين الله تعالى، وخذلٌ له، ولا ينبغي للمسلم أن يخذل دين الله تعالى، أو يَتَوانى عن نصرته، وإنّه من البيان الضّروري أن تكون الأُسوة في هذا الباب أعني باب الصّبْر على القتال ودوام الارتباط به عملاً وفِكراً، ودعوةً، وتحريضاً، وردّاً على شبه المثبِّطين والمخذِّلين، أو المعوِّقين له بإسقاط أحكامه في أي عصر من العصور، أقول: إن القيام بهذا الأمر أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوى عليه إلا المتعلّق بالآخرة، الرّاجي لأجْرِها أن يُصيبه، ولعذابِها أن يخطِأَه، والذّاكرُ لربّه تقويةً لقلبه، وتطميناً له من أن يهتزَّ أو يرتجف كما قال الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون} الأنفال، لأن الأُسوة في هذا الباب تكاليفها شاقّة عالية، يرى المرءُ آثارها بأمّ عينَيْه، ويعيشُ هذه التكاليفَ لحظةً بلحظة، فهو معذَّبٌ من طواغيت الأرض، أو مطاردٌ غَريب، أو محاصَرٌ مَحْبوس، أو مهدّدٌ يرْقب الموتَ في كلِّ آن، ومثل هذا الحال لن يصبِر عليه إلا من قام به من أجل الآخرة، واستعان على هذا الصبر بذكر الله تعالى، وبهذا يتحقق التوافق بين ذكر الأسوة وبين ذكر وصف القائم بها، وذلك بخلاف المتأسِّي به في غير هذا الباب، إذ أنّه قد تجتمع رغبة النّفس وشهوتُها مع الأسوة في أبواب أخرى كثيرة معلومة لدى القاصي والدّاني، لأنّ الأسوة في هذا الباب لا تكلِّف كثيراً، ولا تصابر النّفس نفسها عليها، بل تقوم عليها راغبةً فرحةً، لا تخاف شيئا لترجو غيره، ولا تضطرب فتحتاج إلى الاطمئنان.

{ولمَّا رأى المؤمنون الأحزابَ قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليما * من المؤمنين رجالٌ صدَقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحْبهُ ومنهم من ينتظر وما بدَّلوا تبديلا}.

وبعد أن وصف الله تعالى المنافقين وأحوالهم، وذكر حركة الكافرين من الالتفاف حول المدينة، وبعد أن وصف الله تعالى عِظَم الزّلزلة على قلوب المؤمنين {هنالك ابتُليَ المؤمنون وزُلزلوا زِلزالاً شديداً} أخبرنا الله تعالى عن الصحابة رضي الله عنهم، وماذا كان تفسيرهم لحدث الأحزاب وكيف كان فقههم له، {هذا ما وعدنا الله ورسوله}، إنّ جمع الأحزاب هو وعدٌ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وانظر أخي في الله تعالى إلى أدب الصحابة رضي الله عنهم حين سمُّوا الابتلاء وعداً، مع أن لفظ الوعد يحمِل البِشارة وليس النِّذارة، والأحزاب نِذَارةٌ، فكيف سمّوا الابتلاء وعداً؟.

إنّ تسميةَ الابتلاء وعداً هو تمام الفقه والفهم، لأن وعود الله تعالى بحصول الخير، وقدوم البِشارات لا تتمُّ إلاّ بعد الابتلاء والتّمحيص، فحيث رأى المؤمن الابتلاء قادماً إليه، فهو رابطٌ له ولا شك بما سيأتي بعده، وهو وقوع الوعد، لكن بعد اتِّخاد الموْقف الصّحيح، وفي كلامهم رضي الله عنهم موقِفُهم من الحدث، فحيث قالوا: إن هذا الابتلاء هو وعد لله تعالى، فهو موقف منهم أنَّهم سيصبرون عليه، ويعالجوه وفق أحكامِ الله تعالى، ذلك ليخرجَ من الابتلاء إلى الوعد، وإلا فإن الابتلاء سيكون مقدّمة الوعيد لا الوعد.

فهم رضي الله عنهم نظروا إلى نتيجة الابتلاء وخلاصته، وذلك من خلال موقفهم من الحدث، فالفتنة يسقط بها المرء، فتكون عذاباً على صاحبها كما قال المنافقون: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً} فهؤلاء محجوبون بحجاب الهوى والشّهوة، وكذلك بحجاب البلادة والجهل، حيث ظنّوا أنّ الوعودَ الإلهية تقدم على أطباق الذّهب والفضّة، بلا امتحان وابتلاء، وبدون تمحيص واختبار، فحيث وقع البلاء زاغت قلوبُهم عن الحقّ، وخرجت منهم كلمات الشرِّ والسّوء، وأمّا المؤمنون فقد تذكّروا قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتِكم مَثَلُ الذين خَلوْا من قبلكم مسّتهمُ البأساءُ والضرَّاءُ وزُلزِلوا حتّى يقولَ الرّسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إنّ نصر الله قريب} البقرة. فالوعود لا تأتي بلا مقابل، بل لا بدَّ من أن تأتي لمن يستحقّها {وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً} وأنت أخي المسلم ترى أن الله فرّق في كلامه المجيد العظيم وصف المؤمنين حيث قال سابقاً: {هناك ابتُلي المؤمنون وزُلزِلوا}، ثمّ وصفَ المنافقين ثمّ عاد سبحانه وتعالى إلى ذكر المؤمنين، وأظنّ أنّ حكمة هذا - وهو ذكر وصف المنافقين بين وصفٍ سابقٍ للمؤمنين ووصف لاحقٍ لهم - إنّما هو تبيينٌ لحال المنافقين وأنّ وجودهم بين المؤمنين هو الذي اقتضى ذكرهم بين وصفين للمؤمنين، وهناك نكتة أخرى وهي أنّ الوصف السّابق {زُلزِلوا} كان بين وصفين وهو وصف حركة الكافرين {إذ جاءوكم} ووصف المنافقين، فالزّلزلةُ الحاصلةُ للمؤمنين هي بسبب هذين العدوّين:

الكافرين وقدومهم..

والمنافقين وخذلانهم وأراجيفهم..

فالابتلاء قد وقع بين سندانٍ ومطرقة، سندان المنافقين ومطرقةُ الكافرين، وهذا من أشدّ البلاء وأعظمه، وكما سيتبيّن لنا أنّ الكافرين قد ذهبوا وبقيت فتنة المنافقين بين أظهُرِ المسلمين، فما أشدّ هؤلاء القوم على أهل الإيمان!! وما أقسى ما تعاني الجماعة المسلمة منهم!! بل {هم العدوّ فاحذرهم قاتَلَهم الله أنّى يؤفكون}. وحديث القرآن عن النّفاق والمنافقين طويل مسهب، ولكنّ معاناة المؤمنين من هذا المَرض لم تكن إلاّ في حال الجهاد والقتال، إذ أنّ النّفاق لا يُطِلُّ برأسه، ولا يجد لكلماته قبولاّ وصدى إلاّ عند وقوع الابتلاء والمحن، فحين تضطرب النّفوس، وتبلغ القلوبُ الحناجرَ يكون لأراجيف النّفاق موطنٌ ونوع قبول... والنّفاق في القرآن على وصفين ومثلين:

المثل الأوّل: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً، فلمّا أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركَهم في ظلماتٍ لا يبصرون، صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون}..

المثل الثّاني: {أو كصيّب من السّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلونَ أصابعهم في آذانهم منَ الصّواعقِ حذرَ الموْت والله محيط بالكافرين * يكادُ البرقُ يخطَفُ أبصارهم كلّما أضاء لهم مشوا فيه، وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ الله على كلّ شيء قدير}..

والمثلان القرآنيّان لحالتين واقعيّتين:

فالمثل الأوّل لنوع المنافق الذي لم يُسلم أبداً، ولم يدخل الإيمانُ قلبَه قطّ، بل بمجرّد قدوم الحقّ عليه أنكره وأعرض عنه، فهذا مستقرّ قلبه على الكُفر، لكنّه أسلمَ ظاهِراً خوف السّيفِ أو رجاءَ الأصفر (الذّهب).

والمثل الثّاني لنوع آخر من النّفاق، وهو النّفاق المتقلّب، تأتي على قلبه الواردات الإيمانيّةُ فيبصرها ويهتدي بها، فيسلم قلبه كما أسلم ظاهره، {كلّما أضاء لهم مشوا فيه} ولكنّه لا يقيم على الإيمان، فإذا أتت عليه وارداتُ الشّبهِ الباطلة، أو شهوات الهوى والنّفس، فإنّه يتنكّر لهذا النّور، فيُظلم قلبه {وإذا أظلم عليهم قاموا}، فقلبُه متردّد بين الإيمان والكفر، لا يَقِرُّ له قرار، والله عليم بما يختم لهم، فإذا جاءه الموت وهو في حال نوره وإسلامه مات مسلماً، وإن أتاه الموت حالَ كفره ونفاقه مات كافراً منافقاً، وليس لنا إلاّ الحكم بالظّاهر وقرائن الحال الغالِبة، فالابتلاءات والمِحن تكشف النّوعين، والقسم الثّاني تكون له فتنةً وابتلاءً، فإمّا يزداد بها نوراً وإيماناً، وإمّا ينتكس بها ويخلد إلى الكفر والنّفاق، وهذا سرّ قوله تعالى: {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً} فهما قسمان: منافقون وفي قلوبهم مرض، وهذا كذلك هو سبب تعليق الحكم عليهم على المشيئة كما سيأتي في قوله تعالى: {ويعذّب الله المنافقين إن شاء أو يتوبُ عليهم}. وهذا الكشف ومعرفة الحقائق -أي حقائق النّاس- لم تُعرف إلاّ بالجهاد في سبيل الله تعالى.

{من المؤمنين رجالٌ صدَقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً، ليجزي الله الصّادقين بصدقهم، ويعذّب المنافقين إن شاء أو يتوبَ عليهم إنّ الله كان غفوراً رحيماً، وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويّاً عزيزاً، وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرّعب فريقاً تقتلون وتأسِرون فريقاً، وأورَثَكم أرضهم وديارَهم وأموالَهم وأرضاً لم تطأوها، وكان الله على كلّ شيءٍ قديرا} الأحزاب 23-27.

ثمّ انجلت المعركةُ وأسفرت نتائجها واضحة بيّنة، وهي غزوة من أشقّ الغزوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفيها فقط قال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيّها النّاس، لا تتمنّوا لقاء العدوّ، وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف)). ثمّ قال: ((اللهمّ منزّل الكتاب، ومجري السّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم)) متّفق عليه. فهي المعركة الوحيدة التي طلب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه عدم تمنّي لقاء العدوّ، وإلاّ فإنّ خروجَ الصّحابة رضي الله عنهم لملاقاة العدوّ أكثر من أن يحصى، بل إنّ بعدها (أي بعد الأحزاب) قال صلى الله عليه وسلم: ((الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم)) البخاري. ولذلك فلا يحتجّ بهذا الحديث على عدم جواز تمنّي لقاء العدوّ مطلقاً، إنّما هو ظرف خاصّ، في حالة شديدةٍ، كان اللقاء يكلّف الإبادة الشّاملة لكلّ الجماعة المؤمنة، ولكن إذا لقيتُموهم فاصبروا.

انجلت المعركة عن شهداء قضوا نحبهم، وأفضَوا إلى خالقهم، أحب الله لقاءهم فاتخدهم شهداء، واتخاذ الشهداء من مقاصد الجهاد كما ذكر الله ذلك في غزوة أحد {وتلك الأيّام نداوِلها بين النّاس وليعلَمَ اللهُ الذين آمنوا ويتّخذ مِنكم شهداء والله لا يحب الظّالمين}، فالموت في سبيل الله من مقاصد حركةِ الجهاد، وقد روى البخاري أنّ هذه الآية نزلت في أنس بن النضر رضي الله عنه، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد ذكر العلماء أنّه قد يكون للآية الواحدةِ عدّة مناسبات، وأنّها نزلت عدة مرات، فسياق الآية في الحديث عن الأحزاب، فلا يمتنع أن تنزل هذه الآية بعد أحد مرة، وفي الأحزاب مرةً أخرى.

فأهل الإيمان إلى قسمين:

شهداءٌ إلى ربّهم، وأحياءٌ أمناءٌ على العهد؛ ينتظرون النّصر أو الشّهادة، كلاهما قد صدق ربّه، فجزاؤهـم عند ربهم، ليس عند أحدٍ من الخلق، وانجلت المعركة عن منافقين يتردّدون بين الإيمان والكفر، فإما أن يـقيموا على الكُفر أو يموتوا عليه فلهم العذاب، وإمّا أن يغلب النور على قلوبهم بعد أن رأوا من آيات الله البيّنات من نصرِ نبيه، وتأييدِ الريح له، فيغفرَ الله لهم، ويُلحِقهم برَكْبِ الإسلام والإيمان، وبجماعة الهُدى والنّور.

{ورد الذين كفروا بغيظهم}: عذّبَهم الله بالرّيح، والرّيحُ جُنديّ من جنود الله تعالى، وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريحٌ شديدة، تكاد أن تدفن الراكب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثَت هذه الرّيح لموت منافق))، فلما قدِم المدينة فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات.

{وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزاً}: فلم يُضرب في غزوة الأحزاب بسيف، ولم يُرم فيها بسهم، إنما هي الريح - ريح الصّبا -.

وكان من زيادة الله تعالى وفضله هو عذابُ بني قريظة، وغنيمةُ المسلمين لأرضهم وأموالهم، ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام فقال: قد وضعت السلاح! والله ما وضعناه، فاخرج إليهم. قال: ((فإلى أين؟)) قال: هاهنا، وأشار إلى قريظة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم".

وفي رواية أخرى في غير الصحيح أنّ جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله انهض إلى بني قريظة. فقال (أي النبي صلى الله عليه وسلم): ((إن في أصحابي جهداً)). قال: انهض إليهم فلأضعضعنهم. قال: فأدبر جبريل، ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم من الأنصار. ا.هـ.

ففتح الله عليهم بني قريظة، إذ لم يبق منهم رجل بالغ إلا وقُتِل، وسبِيَت نساءُهم، وغنِمَت أَموالهم، {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها}، قال أهل العلم في قوله تعالى: {وأرضاً لم تطئوها}: "أن هذه بُشرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولصحابته بفتح أراض أخرى غير بني قريظة، قال بعضهم هي خيبر، وقال بعضهم مكة، وقال آخرون: فارس والروم، وقال عكرمة: هي كل أرض تفتح إلى يوم القيامة".

نعم بالجهاد ورِث المسلمون كنوز الأرض وملكوها؛ كنوزاً تَعِبَ عليها أصحابها حين جَمعوها وتعِبوا في جنْيها، وأضاعوا من أجلها الأوقات والأعمار والأزمان، وأرضاً جعلوها من جِنَانِ الأرض، حدائقَ غنّاء، وأشجاراً باسقةً عالية، وأرضاً زاهيةً حيةً، كلُّ هذا ورثهُ المسلمون عندما كانوا أهل الجهاد وأصحابه، أما الآن فيا حسرتاه على ما أصابَنا بسبب ترك الجهاد والرّكون إلى الأرض: دفعنا الجزية، وورث الكفر أرضَنا وديارَنا.

في فلسطين، أرض من جنان الدّنيا، بيّارات (بساتين) البرتقال والليمون، أخذَها إخوان القِرَدة والخنازير، ووَرِثوها من أصحابها بسهولةٍ ويُسر، بلادُنا التي كانت تسمّى بلاد السَّمْن والعسل، هاهم أبناؤها يرتمون على أرصفة الذلّ والخزيِ في أوروبا بحثاً عن لقمةِ الخبز، وخيراتُ أرضِنا من معادنَ وبترول وذهب هاهو الكفر يتنعّم به كل نعيم، ويخوض فيه إلى أُذُنيه، والفقر يضرب بجذوره في ديارنا، عائلات تبيع عرْضها وشَرَفها من أجلِ قوتها، فيا الله ما أشدّ عذاب من ترك الجهادَ وأخلَدَ إلى الأرض!.

أيها المسلمون لا بديل عن النار، ولا بديل عن السِّلاح، ولا بديل عن الدَّم..

أيها المسلمون الجهاد.. الجهاد.. جهادٌ من أجلِ ديننا الذي ضيّعه المرتدُّون، وتلعَّبوا به وجعلوه أهونَ موجود.

جهادٌ من أجلِ أعراضنا التي انتهكها الفقر والبؤس والجوع، وتلعَّب بها الطَّواغيت كحكايات الليل.

جهاد من أجلِ صرخاتِ الأسارى والمعتقلين.

جهاد من أجل أرض الإسلام وديار الإسلام، الديار التي طهرت بدماء الصحابة والأولياء والصالحين فصارت مأوى الغربان والبوم وصهيل خيل مسيلمة.

لقد صمّت الآذان بفحيح الأفاعي ونعيق الغربان وصهيل خيل مسيلمة..

فمن يُسرج خيل الجهاد؟.

ومتى يَطْرب الشَّجر والحجر، ويتغنّى الوجود بنداء:

يا خيل الله اركبي؟.

وللحديث بقيّة إن شاء الله تعالى..

منبر التوحيد والجهاد
www.tawhed.ws