منبر التوحيد والجهاد
طبع المادة كاملة 1 ...
بين منهجين "82"
   بين منهجين "82"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني

قال أبو عبد الله (أحمد بن حنبل): ما أبالي صلّيت خلف الجهميّ والرّافضيّ أم صلّيت خلف اليهود والنّصارى، ولا يسلّم عليهم، ولا يُعَادُوْن ولا يناكحون ولا يُشهَدون ولا تؤكل ذبائحهم. قال عبد الرّحمن بن مهدي: هما ملّتان (دينان يفترقان عن دين الإسلام) الجهميّة والرّافضة. [«خلق أفعال العباد» للإمام البخاري 53،54].

قوله: لا يعادون: لا يزارون في مرضهم، وقوله لا يشهدون: أي جنائزهم.

كان شأن سلفنا الصّالح رضي الله عنهم عظيماً مع أهل البدع، ولا يرون شيئاً أضرّ على دين الإسلام منهم، والقارئ المتمعّن لكتب السّلف لا يرى هذه الهنّات النّفسيّة التي وقع فيها الخلف من الإخوان المسلمين وحزب التّحرير، ولا يرى فيها التّنازلات المقيتة التي وقع فيها المتأخّرون من أصحاب التّجمّعات البدعيّة، والسّلف من أهل الحديث والسنّة لم يكن عندهم همّ التّجميع والتّكثير على حساب المنهج بل كان المنهج قبل كلّ شيء، والتّوحيد بجلائه ووضوحه هو أساس المحبّة والولاء، والبدعة والشّرك هما مناط البغض والعداء والبراء، لكن لمّا هانت السنّة على النّاس، وصار الحديث عند أصحاب الفهم الحضاري للإسلام عن الجنّة والنّار والغيب والآخرة والثّواب والعقاب هو حديث السذّج من النّاس، ضاعت معالم الدّين واندرست آثاره، وبدأت المصطلحات الجديدة تغشى الإسلام وشعاره المجرّد فصار هناك الإسلام الحضاريّ، والإسلام الدّيمقراطيّ، والإسلام الليبراليّ، وصار مقدَّم القوم هو من يحسن لوك الألفاظ المفخمة، ويتقعَّر في حديثه متجنّباً السنّة وآثارها، فتضخّمت الرؤوس بالأفكار، والألسن أصابها داء السّرطان فطالت مرضاً، وقلّ العمل، وضعُفَت عبوديّة النّاس لربّهم، وقلّ الشّوق إلى الآخرة، حينئذٍ ضرب الله قلوب النّاس بالشّبه والأهواء، فالعبقريّ الذي لا يفري فريه هو من يحسن ردّ السنّة بالهوى، ومن يقدّم الجنّة للنّاس بلا تكاليف، هذا حال أهل الرّأي الذين جعلوا الوحي حضارة والنّصّ الغيبيّ فكراً، فتأنّس الإسلام على أيديهم، إذ صار الإسلام هو مصلحة الرّجل والجماعة لتحقيق شهواتهم في الدّنيا، وكلّ تكليف ومشقّة تلحق النّاس في عمل من الأعمال ردّوه بحجّة الضّرورة ورفع الحرج، فتوسّع النّاس في التأويل وحفظ الرّخص ومزالق العلماء وأخطائهم.

وقوم آخرون زعموا التّمسّك بالسنّة وبفهم السّلف الصّالح، وأخرجوا النّاس من تقليد الأوائل ولكنّهم لم يبرؤوا من جرثومة التّقليد فأخرجوا النّاس من تقليد الشّافعيّ إلى تقليد ابن باز ومن تقليد مالك إلى تقليد ابن عثيمين ومن تقليد أحمد إلى تقليد الألبانيّ، تحاوِرُ الرّجل منهم السّاعة والسّاعتين وترمي بوجهه الدّليل تلو الدّليل فلا يجد في قلبه من الشّرّ إلاّ أن يقول لك: ولكنّ الألبانيّ يقول بغير ذلك!!، ولكنّ ابن باز لم يقل هذا!!، هل قال بهذا ابن عثيمين وابن باز والألبانيّ؟، من قال بهذا؟ ولو قلت له قال الأئمّة العظام لتعارض هذا القول في نفسه فيما يقول هؤلاء الذين اتّخذهم آلهة من دون الله، لا يقول إلاّ ما يقولون، ولا يدين إلاّ بمذهبهم، وكأنّهم أنبياءُ هذا الزّمان، وكان من مقت الله تعالى لهؤلاء القوم أن مسخ الله قلوبهم وعقولهم حيث جعلوا الإمامة (وهي أعلى المراتب وأشرفها في هذه الدّنيا) من حقّ من مسخ الله قلبه وأتى المكفّرات العظيمة كآل سعود والملك حسين والقذّافي وصدّام وآل صباح، فانتسابهم للسّلف لم يعلّمهم التّوحيد الذي يوجب عليهم البراءة من كلّ طواغيت الأرض، وإنّي لأعلم عالماً (سلفيّاً!!) اسمه يطرَّز على كتب الحديث تحقيقاً وتخريجاً ومع ذلك هو في حزب علمانيّ من أهل بلده، ولا يرى الحرج في ذلك فأيّ قوم هؤلاء؟! وأيّ سنّة صحيحة ينتسبون إليها؟!!.

هذا حال المتدينين في هذا الزّمان، وأهل السنّة والحديث كالملح في الطّعام؟ غرباء بين أهل الإسلام، ولو لا أنّ الله برحمته يرطب قلوبهم بالإخلاص وذكر الآخرة لضاقت بهم الحياة وانفطرت قلوبهم حزناً وغمّاً.

إن حدّثوا النّاس بالسنّة والعمل قال أهل النّفاق: هؤلاء أهل القشور.

وإن حدّثوا النّاس بكفر الحاكمين بغير ما أنزل الله وطوائفهم قال أهل النّفاق: هؤلاء خوارج.

وإن حدّثوا النّاس بالجهاد في سبيل الله ضدّ المرتدّين قال أهل النّفاق: هؤلاء متسرّعون لا يفقهون في السّياسة.

وإن حدثوا النّاس بكفر الدّيمقراطيّة وكفر العمل البرلمانيّ التّشريعيّ قال أهل النّفاق: هؤلاء غلاة.

وإن حدّثوا النّاس بوجوب تجريد الأتباع ونبذ الأغيار قالوا: هؤلاء متكلّسون.

فأيّ نصر يرجونه من الله؟!! وأيّ تأييد إلهيّ سيقع عليهم؟!!.

لقد جاءت الفرص الكثيرة والكبيرة جدّاً لتحقيق أماني المسلمين بوجود دولة لهم ترعاهم، وبيضة تمنعهم وتحميهم، وملاذاً يؤوبون إليه، ولكن خيّب الله ظنونهم، وفلتت هذه الفرص من أيديهم لأنّهم لا يستحقّونها، ولِعلم الله تعالى أنّهم أدنى من أن يقع عليهم المنُّ الإلهيّ بالفوز والظّفر. وإنّي لأعتقد أنّ الله قد خبأ هذا الخير - دولة الإسلام - لمن يستحقّه من أهل التّوحيد والسنّة والجهاد. وإن جاز لنا أن نحمد هؤلاء القوم على عدم توفيقهم لحمدناهم، ولكن لا يُحمد المرء على جهله، فإنّهم لو وُفّقوا لدولة لهم يحكمونها لساموا أهل السنّة والحديث والجهاد سوء العذاب.

فلو أنّ الإخوان المسلمين حكموا دولة من الدّول، ثمّ جاء الخمينيّ بدولته الرّافضيّة اللعينة فماذا سيصنع هؤلاء المبتدعة؟.

لقد علمنا صنيعهم، ورأيناهم وهم يتراكضون عليه يؤممونه ويسيّدونه ويوسدونه، حتّى قال قائلهم وهو يخطب في جمع من الغثاء بعد أن عاد من إيران الرّافضيّة وتنعّم بالسّلام على اليد «المباركة»، يد الإمام الشّيعيّ آية الله الخميني، قال: لقد رأيت في وجهه صورة عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فلو أنّ مثل هؤلاء القوم حكموا بلاد المسلمين فماذا ستكون النّتيجة؟، النّتيجة أنّهم سيسلّمون رقابنا إلى إمامهم الأكبر وسيّدهم الأعظم الخمينيّ فيفعل بأهل السنّة الأعاجيب، كما صنع أستاذه وسيده ابن العـلقميّ بصير الدّين الطّوسي في أهل بغداد عندما فتح بغداد لهولاكو فاستباح دماء النّاس وأعراضهم حتّى قَتل أكثر من مليون شخص.

ولو أنّ سلفيّة أهل الولاء لآل سعود قبضوا على زمام الحكم في بلد من البلاد لسارعوا إلى مبايعة آل سعود لاعتقادهم بإمامتهم وحينها على الإسلام السّلام.

إنّني أعتقد أنّ الفضل الإلهيّ بدولة الإسلام النّاصعة، القائمة على التّوحيد الصّافي والاتّباع المجرّد لله لن يصيب - إن شاء الله تعالى - إلاّ أهله، ولكن بشرط (وشرط أكيد) أن لا يضعفوا، ولا يتنازلوا عن شيء من السنّة والدّين مقابل مصالح موهومة، أو من أجل همّ التّجميع والتّكثير، أو بسبب طول الطّريق وكثرة المعوّقات.

نعم يا أهل التّوحيد والجهاد لقد ضاقت بكم السّبل وقلّ النّاصر وكثر الخصوم فلا تغفلوا عن باب الله المفتوح لكم في كلّ حين، وهو أوسع الأبواب وأرحمها وأرحبها.

نعم يا أهل الحقّ لم نصل بعد إلى أن نُنشَر بالمناشير، ولم نصل إلى أن نقول بل نصرخ: متى نصر الله؟!!.

نعم يا أهل التّوحيد والجهاد أئمّتنا يسجنون ويقتلون ويقتنصون لكنّها ضريبة الطّريق، وحتميّة السنن.

نعم يا أهل التّوحيد والجهاد شيخكم عمر عبد الرّحمن يسجن ويقيّد، وأصحاب العمائم النّخرة يلهون ويلعبون ويتحدّثون أمام الطّواغيت عن فضائلهم التي لم تكتشفها الشّعوب إلى الآن.

نعم يا أهل التّوحيد والجهاد لقد رماكم النّاس عن قوس واحدة، وتكالبت عليكم قوى الشّرق والغرب، وتبرّأ منكم أهل البدعة والفرقة والشّقاق، لكنّها إرهاصات النّصر إن شاء الله تعالى.

فإيّاكم والوهن والتّبديل والتّغيير، وإيّاكم ثمّ إيّاكم أن يأتيكم الموت وقد بدّلتم وغيّرتم.

أليس من سننيّة النّصر أن يفترق النّاس إلى فريقين، وينقسم النّاس إلى معسكرين: معسكر إيمان لا نفاق فيه ومعسكر كفر لا إيمان فيه؟ فكيف يحصل هذا بدون محنة وبلاء وعذاب ومشقّة؟ لكن اعلموا أنّ أهل البدعة والضّلالة وإن ملكوا الأموال والمناصب، وإن سارت بأسمائهم الرّكبان، وإن فتحت لهم السّدود والحدود فإنّ ذلّ المعصية والبدعة مضروب على جباههم، معلّق على صدورهم، فها هو الطّاغوت يتلعّب بهم، ويلهو الشّيطان لهم، ويدحرجهم كما تدحرج الكرة، فكفى بذلك لك عبرة، فإيّاك أن تمرّ بك الآيات دون نظرٍ وعبرة:

{إنّ في خَلق السَّماوات والأَرض واخْتِلاف الليْل والنَّهار لآياتٍ لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قِياماً وقُعوداً وعَلى جُنوبِهم ويتفكَّرون في خلق السَّماواتِ والأرْضِ، ربَّنا ما خَلقْتَ هَذَا باطِلاً سبحانَكَ فَقِنا عذَابَ النَّار}.

واحذروا من زمزمة القرّاء، وكثرة المتشدّقين، قال صلى الله عليه وسلم : ((أكثر منافقي أمّتي قراؤها))، وعليك بالسنّة والأثر والرّجوع إلى فهم السّلف ومنهجهم فهُم أعلم النّاس بدين الله تعالى.

يتبع إن شاء الله في الحلقة القادمة..

منبر التوحيد والجهاد
www.tawhed.ws