منبر التوحيد والجهاد
طبع المادة كاملة 1 ...
بين منهجين "89"
   بين منهجين "89"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني

ساد في أوساط بعض المفكّرين الإسلاميين!! وبعض الجماعات الإسلاميّة!! دعوى غريبةُ الشّأن، لم تُدرس بعناية من الوجهة الشّرعيّة، ولم تكن هذه الدّعوى قد خرجت إلى عقليّة المسلم من خلال دراسة موضوعيّةٍ شاملةٍ، هذه الدّعوى هي الزّعم أنّ العدوّ (المرتدّين) قد استجرّنا إلى معركةٍ خاسرةٍ، فهو الذي دفعنا إليها وقد اختار لها التّوقيت والأدوات ليحسِمَها متى يريد وكيفما يريد، وبالتّالي علينا أن لا نُستَدرج إلى المعركة حسب توقيته، وكذا علينا أن نملك من الصّبر العالي حتّى نتحمّل عُنفَ السّلطة نحونا مانِعين من حصول المواجهة في الوقت الذي يريده هو ولا نريده نحن.

والفكرة ولا شكّ جميلةٌ في أبعادها الذّهنيّة، فإنّ من يملك التّوقيت المناسب للمعركة هو الذي يستطيع أن يجعل في جرينه إحدى عوامل النّصر وهزيمة الخصم، ولكن هل هذه الفكرة مبنيّة على أسسٍ صحيحة؟ وهل سببُ انتكاسة الحركة الإسلاميّة!! في الوصول إلى أهدافها أنّها لم تملك ساعة الصّفر في هذه المعركة؟، وهل صحيح أنّ ما حصل من مصادمات سواء كانت جهاديّة أم غير جهاديّة بين الحركات!! وبين السُّلُطات المرتدَّة هي التي جعلت هذه الأوساط المفكّرة والحركيّة تخرج بهذه النّتيجة؟.

ابتداءً أقول أنّه لم يحدث قط أن استَدرَج الطّاغوت أيّ حركةٍ إلى أيّ مواجهةٍ في وقت أحبّه هو أو رضيه هو، ولم تكن هناك ثمّ معركة بين الجماعات!! وبين الطّاغوت كان سبب انهزام الحركات فيها هو خطأ التّوقيت في البدء والعمل، بل إنّ الطّاغوت في أيّ معركة نشأت بينه وبين هذه الحركات كان يعاني فيها الأمرّين، ويصرخ بملء فيه استنجاداً ورعباً، ولكن لأنّ النّتيجة كانت في صالحه في النّهاية فإنّه استطاع أن يبثَّ خبثه وحقده على الأمّة، فيَفْجُر ويُعربد ويستغلّ فورة فوزه في تعميق جذور الجاهليّة ومحاولة إضعاف جانب الإسلام في الدَّولة والأمَّة، نعم النّتيجة كانت مرعبةً بالنّسبة للإسلام بسبب هزيمةِ هذه الحركات، ولكن لم يكن سبب الهزيمة هو اختيار الطّاغوت لهذه المعركة في هذا الظّرف.

ونحن أمامَ تجارب متعدّدة في الصّدام بين الإسلام ممثّلاً بحركاتٍ سواء منها البدعيّة أو السنّية لكننا نستطيع أن نُجمل هذه الحركات ضمن سياقين:

الأوّل: السّياق السّياسي وهي الحركات التي لم تتبنّى الجهاد كحلٍّ شرعيّ وحيد لهدم الطّاغوت واقتلاعه، وهذا اللون فيه الكثير من الأطياف بدءً بالإخوان المسلمين المبتدعة إلى آخره من حزب التّحرير، ومن الجماعات الإصلاحيّة كجماعة التّبليغ وتيّار القاعدة الصّلبة والدّعاة السّلفيين المزعومين وغيرهم.

السّياق الثّاني: وهي الحركات القتاليّة والتي حكمت أمرها أنّ هذا الطّاغوت له حلٌّ وحيد في شرع الله تعالى وهو القِتال، وهذا اللون كذلك فيه أطياف متعدّدة بدعيّة وسنيّة.

والتّجارب التي يَحتجّ بها أصحاب هذه النّظرة يأخذون حالة أو حالات من الأولى وحالة أو حالات من الثّانية.

أمّا الاحتجاج بالسّياق السّياسي فهو احتجاج باطل، لأنّ هذه الجماعات ليس في عقليّتها ولا برنامجها مجابهة الطّاغوت ولا محاربته، وليس في خطط إعدادهم لكوادِرِهم ثَمّ إرادةٍ في تعليمهم أصناف السّلاح بله التّعلّم عليه وإتقان حركته، فهو احتجاج باطل من أصله.

أمّا الحركات الثّانية فالحقّ أنّ هذه الجماعات هي التي بدأت وشَرَعَتْ، وليس الطّاغوت هو الذي استفزَّها واستدرجها، فلو أخذنا مثلاً ما قام به المجاهدون في بلاد الشّام، فإنّ الضّربة الأولى التي قام بها المجاهدون هناك كانت من الرّوعة بمكان لا تطاله أعناق الرّاتعين في مستنقع تأسيس الجماعات وتحويلها إلى مؤسّسات إغاثيّة، أو إلى مستشفيات ومدارس تدُرُّ على أصحابها الأموال المكدَّسة، وهذه العمليّة هي «عمليّة المدفعيّة» التي قام بها المجاهد البطل والقائد الفحل إبراهيم يوسف، وهي حادثة شهِدَ الله كلَّما سمِعتُها من أخي عمر عبد الحكيم اقشعرّ بدني ودمعت عيناي لهولها وروعتها، وهي بداية موفَّقة وكافية لصنع ملاحم جهاديّة تؤدي بالمعركة إلى تحقيق النّصر للمؤمنين والهزيمة للمرتدّين، ولكن ليس لأنّ التّوقيت كان غير مناسب وقع المحذور ودُمِّر الجهاد، بل لأسباب يعلمها أطفال البحث العلميّ الواعي، وأصحاب الدّراسة الموضوعيّة، وليس أولئك المشيخات التي أتقنت دور الدّونكشوتيّة في محاربة طواحين الهواء.

أمّا بالنّظر إلى الفهم الشّرعيّ لهذه الدّعوى فإنّني قبل أن أعرض ما أفهم من دين الله تعالى في تطبيق الحكم الشّرعيّ في هؤلاء المرتدّين فإنّني مضطّر أن أبيّن عائقاً جديداً استقرّ في أذهان أرائتيّة هذا الزّمان مَنَعَهم من الفهم عن الله تعالى والفهم على رسوله صلى الله عليه وسلم:

على مدار التّاريخ الإسلاميّ وتيّارات الانحراف كان الشّيطان يصبّ في عقليّة هذه التّيّارات بعض البدع والحوادث فيجعلها قواعد وأصول في تلقّيهم للحكم الشّرعيّ، فلو أخذنا مثلاً الصّوفيّة فإنّ بعض أئمّتهم - الغزالي - في كتاب له لتربية النّفس وصقلها صوفيّاً وعرفانيّاً نبّه المبتدئ في الطّلب إلى عدم قراءته للقرآن الكريم وجَعَل سبب هذا التّحذير أنّ قراءة القرآن تشتّت اجتماع النّفس، ولا بدّ للطّالب من جمع همّته وتركيزه على أمر واحد لحظة الخلوة، وقارئ القرآن الكريم تتشتّت همّته فهو لو قرأ سورة البقرة مثلاً فإنّه يقرأ الآيات الأولى وفيها ذكر المؤمنين، ثمّ ذكر الكافرين ثمّ إلى ذكر المنافقين، ثمّ إلى ذكر آدم وقصّته ثمّ ذكر بني إسرائيل، فهذه القراءة لهذه المتعدّدات تشتّت الهمّة وتوزّع التّركيز وهذا يفسد السّالك الصّوفيّ، فانظر إلى هذه المعوّقات الشّيطانيّة التي استقرّت كقواعد في أذهان أصحاب هذا المذهب في التّنفير من القراءة لكتاب الله تعالى وهي معوّقات ذوقيّة.

بعض أهل الرأي ومتعصّبوا المذاهب مَنع من العمل بالحديث حتّى يعرضه على إمام مذهبه، أو على أقوال مذهبه، فإن أخذ به إمامُه أخذ به وإن ردّه إمامه ردّه هو.

أهل الكلام جعلوا ضابط الأخذ بالقرآن والسنّة عَرضُها على العقل، فإن قبِلها كان بها وإن أنكرها رُدَّت أو أُوِّلت.

والقائمة طويلة، وللشّيطان فنونٌ في صدِّ النّاس عن تطبيق الحكم الشّرعيّ.

أمّا في زماننا هذا فللشّيطان مع صبية الفقه ومفكّري الإسلام ممّن لم يتضلّعوا بالسنّة النّبويّة ولم يقرؤوها ولم يتشبّعوا بها طريقة أخرى، فإنّه استدرجهم لرفض الحكم الشّرعيّ من باب جديد وهو باب يعادل الذّوق الصّوفيّ والعقل الفلسفيّ والنّظر البدعيّ في ردّ الحكم الشّرعيّ، هذا الباب هو التّحليل السّياسيّ.

هذه اللعبة الجديدة يمارسها أدعياء الفقه، وصبية الفكر في اتّهام أيّ عملٍ يقومُ به المجاهدون أنّه داخل ضمن اللعبة الدّوليّة، وهو خادم لإحدى قطبي النّزاع في أيّ منطقة من مناطق العالم، فإنّه ما من شكٍّ لأنّ عالمنا (الإسلاميّ!!) هو منطقة نزاع بين أقطاب دوليّة، وكلّ دولة تحاول أن تهيمن على جزء منه، وهناك صراع دوليّ على الفوز بأكبر كميّة من هذه الدّول الضّائعة بين أقدام اللاعبين الكبار!!.

وبالتّالي فإنّ أيّ معركة يقومُ بها المجاهدون، ومن خلال تحليل سياسيٍ إبليسيٍّ، يستطيع هذا المأفون السّياسيّ!! أن يجعل جهاد المجاهدين هو في مصلحة قطبٍ من أقطابِ هذا الصّراع الدّولي.

وقد سبق للنّاس جميعاً أن سمعوا تحليلَ أصحاب الأهواء - خدمةً لأعداء الله تعالى - للجهاد في أفغانستان حيث جعلوا الجهاد هناك خدمةً لأمريكا، فبالتّالي فإنّ عبد الله عزّام في عقليّة هؤلاء المأفونين هو خادم لأمريكا، وبعضهم يؤدّب العبارة ويرقّقها ليُحدِث لها القبول فيجعله مغفّلاً نافعاً - والحديث عن المغفّل النّافع طويل - بل إنّ بعض ضُلاّل هذا التيّار صار يعلّق الأحكام الشّرعيّة على مناطات يفتريها المحلّل السّياسيّ، وبالتّالي فعبد الله عزّام هو عميل أمريكيّ، والعميل كافر فعبد الله عزّام كافر، وقد كان بعض أصحاب هذه اللعبة الشّيطانيّة يقولها بملء فيه، وبعضهم يقف بها إلى بعض الحدود، ولكنّ بعضهم توقّف عن ذلك عند مقتل الشّيخ عبد الله عزّام، ولكنّك لن تعدمَ وجودَ محلّلٍ سياسيٍّ آخر يزعُم أنّ أسياده هم الذين قتلوه بعد أن انتهت مهمّته.

التّحليل السّياسي يستطيع أن يفسِّر لك أيّ حركةٍ ربّانيّة في هذه الدّنيا ضمن مَسَاقات دوليّة معيّنة لا دور للإسلام فيها، ولا لمصلحة الإسلام فيها ذرّة.

كمال الهلباوي حلّل جهاد المسلمين ضدّ السيّاح في مصر أنّه خدمة لإسرائيل، لأنّ ضرب السّياحة في مصر سيجعل السّيّاح يتوجّهون إلى إسرائيل!!. وبالتّالي هو عمل باطل وغير شرعيّ.

الجهاد في ليبيا: لن نعدم قول قائل أنّ جهاد الموحّدين هناك هو خدمة لأمريكا، لأنّ إسقاط القذّافي خدمةٌ كبرى لأمريكا، فهو عدوّها اللدود وبالتّالي الحركة الجهاديّة هناك أمريكيّة الصّنع.

ألم تسمعوا قبل أيّام أنّ العمليّات الجهاديّة في فلسطين هي أكبر خدمةٍ يقدّمها المجاهدون لإسرائيل لأنّ هذه العمليّات ستقضي على عمليّة السّلام، هذه العمليّة التي تولّد لنا دولة فلسطين (الأمل) بقيادة عرفات المرتدّ وفتح العلمانيّة؟!!.

ومع التّحليل السّياسي لنا حديث قادم..

منبر التوحيد والجهاد
www.tawhed.ws