![]() |
طبع المادة كاملة 1 ... |
بين منهجين "81" |
بين منهجين "81"
المؤلف: أبو قتادة الفلسطيني عن حبيب بن أبي حبيب قال: شهدت خالد بن عبد الله القسريّ بواسط في يوم
أضحى وقال: ارجعوا فضحّوا تقبّل الله منكم، فإنّي مضحٍّ بالجعد بن درهم، زعم
أنّ الله لم يتّخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلّم موسى تكليما، تعالى الله علوّاً
كبيرا عمّا يقول الجعد بن درهم، ثمّ نزل فذبحه. وخليله المحتاج عندهم وفي * ذا الوصف يدخل عابد الأوثان الكل مفتقر إليه لذاته * في أسر قبضته ذليل عاني ولأجل ذا ضحى بجعد خا لد * القسريّ يوم ذبائح القربان إذ قال إبراهيم ليس خليله * كلاّ ولا موسى الكليم الدّاني شكر الضّحيّة كلّ صاحب سنة * لله درّك من أخي قربان شرح الأبيات: هذه الأبيات في أوائل العقيدة النّونيّة (سمّيت بذلك لأنّ قافيتها نون) حيث بدأ ابن القيّم يعدّد خصال الجهميّة المعطّلة (أتباع جهم بن صفوان الخزريّ وقيل التّرمذيّ ثمّ قُتل زندقة لأقواله هذه) ويقصد بالمعطّلة: أنّهم يعطّلون صفات الله تعالى ويَنفونها ويزعمون أنّ الله ذات مجرّدة، وهم وإن كانوا متأوّلين إلاّ أنّ نهاية قولهم هو القول بتعطيل الخالق، إذ لا يتصوّر العقل ذاتاً من غير صفاتٍ إلا لمن لا حياة له، أو نهاية أمره هو القول بوحدة الوجود، وهو أنّ الله هو كلّ موجود، وقد ورث الأشاعرة هذه العقيدة (التّعطيل)، مع أنّهم ينسبون هذه الصّفات إلى الله تعالى إلاّ أنّهم يجرّدونها عن حقيقتها بتأويلها فينسبون لله صفة المحبّة ولكنّهم يفسّرونها أنّها إرادة الخير من الله للإنسان. فابن القيّم يقول عن الجهميّة أنّهم نفوا عن الله تعالى صفة الخلّة وهي صفة جاءت في الحديث: ((لو كُنت متّخذاً من الأرض خليلاً لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكنّي خليل الله))، والخلّة هي أعلى مراتب المحبّة لأنّها لا تُقال إلاّ إذا تخلّل الحبيب كلّ القلب، كما قال الشّاعر: ولهذا سمّي إبراهيم عليه السّلام خليل الله تعالى. فالجهميّة نفت صفة الخلّة وجعلوا الخلّة هي حاجة المرء لربّه، فردّ عليهم ابن القيّم أنّ هذه الصّفة لا يتميّز المسلم بها عن الكافر لأنّ جميع الخلق (مؤمنهم وكافرهم) محتاجون إلى الله تعالى، وجميع الخلق في قبضته وأسره. وبسبب نفيهم صفة الخلّة عن الله تعالى وقولهم بتعطيل صفات الله تعالى كالكلام وكذا علوّه على خلقه استحقّوا القتل، وقد قَتَل القسريّ الجعد بن درهم لقوله بهذه العقيدة الفاسدة. وقد مدح العلماء (أهل السنّة) صنيع خالد القسريّ هذا وكذا مدحه ابن القيّم بقوله: "لله درّك من أخي قربان". لقد احتاج الشّباب المسلم المجاهد قفزةً نفسيّة هائلة حتّى استقرّ في أذهانهم مصطلحات السّلف، وصاروا يستعملونها دون حرج ودون شعور بالنّقص، نعم كانت الدّائرة التي يتوقّف عند حدودها الشّباب في المناقشة حول القرب من الصّواب، فمن أصوبنا؟ ومن أقربنا إلى الحقيقة؟ وهذا بسبب التّربية البدعيّة التي نشأوا عليها والتي تجعل كلّ قول ينتسب إلى الإسلام هو قول إسلاميّ، وأنّه يجب اعتباره واحترامه وتقديره، واختلط في أذهانهم عدم الفرق بين المسائل الاجتهاديّة والمسائل الخلافيّة فلم يعودوا يفرّقوا بينهما، فكلّ مسألة اختلف أهل الإسلام حولها هي مسألة يصحّ فيها اعتبار الأقوال وعدم العيب فيها على المخالف، حتّى صِرنا نسمع بوجود مصطلحات غريبةٍ عن الفقه الذي كتبه علماؤنا مثل مصطلح الثّوابت ومصطلح المتغيّرات، ولم يَعُد الشّباب الذين رُبّوا تربية بدعيّة في بعض التّنظيمات يعرف الحدّ الفاصل بين ما هو ثابت وما هو متغيّر، لأنّه قد سمع من قادته ومشايخه أنّه لا فرق بين أهل السنّة والشّيعة في القواعد والأصول فربّنا واحد ورسولنا واحد وقبلتُنا واحدة وفقط (هذه هي الثّوابت عندهم وغيرها من المتغيّرات)، إلى هذا الحدّ وصل تجريد الإسلام عن حقائقه وتعريته من أصوله وقواعده، وتفريغه من مضمونه، ولهذا وجب على كلّ الدّعاة إلى الله أن يقرؤوا كتب السّلف الصّالح ويتربّوا عليها لأنّ هذه الكتب هي التي تصنع المزاج السنّي زيادة على المنهج السنّي، فإنّ المزاج السنّي يحتاج إلى طرق ومهمّات تربويّة لإعادة صياغته وبنائه وتصليحه من الدّمار الذي أصابه، والتّشويه الذي لحق به. هناك كتب سلفيّة لا ينبغي للمرء المسلم السنّي المجاهد أن تغيب عن ناظريه، بل يجب عليه أن يعود لها المرّة بعد المرّة حتّى يستقيم منهجه ويصلح مزاجه، ومن هذه الكتب العظيمة: 1 - كتاب «السنّة» للإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل. 2 - كتاب «الردّ على بشر المريسي» للإمام الدّارمي. 3 - كتاب «الردّ على الجهميّة» للإمام البخاري. 4 - كتاب «الإبانة الكبرى» لابن بطّة العكبريّ. 5 - كتاب «الشّريعة» للآجريّ. 6 - كتاب «التّوحيد» لابن خزيمة. ففي هذه الكتب وما نسج على منوالها تستطيع أن تدرك الفارق العظيم بين ما نحن فيه من أخطاءٍ وعيوب وبين ما كان عليه السّلف من نصاعة ووضوح. في هذه الكتب المزاج السّلفيّ الصّريح بهجران المبتدعة وتنفير النّاس منهم وتحذيرهم من الاقتراب منهم. هذه الكتب تعينك على فهم ضلالة المفكّرين الآرائتيين حيث هدموا الإسلام من جذوره وجعلوا شعار الإسلام من حقّ كلّ أحد قال أنا مسلم. هذه الكتب تصنع مزاجاً حقيقيّاً لقيمة السنّة وعظمتها ومحبّة أهلها، وتصنع مزاجاً حقيقيّاً ببغض المبتدعة والبدعة، وتدفعك بقوّة إلى قول كلمة الحقّ دون مواربة أو تقية. المحْدَثون المعاصرون يريدون منك حاملاً لقاعدة الحقّ النّسبيّ: أي أنّ الحقّ الذي تحمله من فهم السّلف الصّالح لدين الله هو حقّ نسبيّ لا مطلق، فعليك أن تعترف لغيرك بالوجود، ولغيرك بأنّه يملك رؤية عليك أن تحترمها وتقدّرها فإنّ خلافك مع المبتدعة لا يُفسد للودّ قضيّة، وأنّنا علينا أن نتعاون على ما اتّفقنا عليه (حتّى مع الشّيعة الرّوافض) ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه (حتّى لو اختلفنا حول هل شيء هو إسلام واجب أم هو كفر غليظ كالدّيمقراطيّة والدّخول في العمل البرلمانيّ). وها أنا قد سُقت لك مقدّمة من تعامل السّلف مع المبتدعة، حيث مدح أهل السنّة والدّين قتل خالد القسريّ للجعد بن درهم، ولو حدثت الحادثة في هذه الأيّام لتصايح الأرائتيّون بأنّ هؤلاء (أهل السنّة) يقتلون مخالفيهم ولا يحتملون وجود الرّأي الآخر، هؤلاء منغلقون ومتحجّرون ومتخلّفون!!. هذه عبارات الأرائتيين. وأنا أذكّرك بأنّ ما قاله الجعد بن درهم هو أهون ألف مرّة ممّا يقوله مبتدعة هذا الزّمان، ألا ليت مبتدعة هذا الزّمان كشجاعة الجعد بن درهم، وليتهم قائلون للحقّ أمام الطّواغيت كالجهم بن صفوان. إنّ معايير السّلف قد ضاقت في عقولنا إلى درجة هائلة، ولو أنّنا تعاملنا مع موازينهم في الرّجال والحركات لكان ما يقوله هؤلاء المبتدعة في هذا الزّمان عند الأوائل زندقة: فلو أنّ رجلاً قال أمام الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: أنّ حديث الذّبابة لا آخذ به لأنّ محمّد صلى الله عليه وسلم ليس متخصّصاً في الكيمياء، فماذا سيحكم عليه الإمام أحمد رحمه الله تعالى؟!!، بل لو عرض هذا القول على عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فماذا سيردّ عليه، هل سيردّ عليه بأن يقول: هذا قولك وأنا أخالفك، وخلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية، أهذا هو دين الله الذي انتصر به السّلف أم هو دين المشّائين على أقفيتهم. ولو أنّ رجلاً قال أمام الإمام البخاري رحمه الله: إنّنا لن نحكم بالإسلام حتّى يقبل النّاس هذا الحكم، فلو اختار النّاس الإلحاد لجاز لهم أن يحكموا به، فهذا الرّجل أيصنّفه الإمام البخاريّ مع الجعد بن درهم أم مع ابن الرّاوندي؟. ياقوم قليلاً من تقدير الله تعالى، وقليلاً من احترام فهم الصّحابة لدين الله تعالى. هذه القفزة النّفسيّة الرّائعة بتسمية المبتدعة بأسمائهم احتاجت إلى جهد شاقٍّ من القراءة المتتابعة لكتب السّلف، ثمّ احتاجت إلى بصرٍ واعٍ للواقع الذي يعيشه النّاس وإلى معرفة واقع القوم الذين يزوّرون دين الله تعالى باسم الإسلام والدّين. لقد مارس السّدنة من علماءِ السّلاطين كميّة هائلة من التّزوير والكذب وجعل الإسلام ألعوبة بيد الطّواغيت، والنّاس يعجبون من شدّتنا مع هؤلاء السّدنة الكهّان، ولكن هل شدّتنا تصل إلى درجة وقاحتهم ودناءتهم، انظروا إلى المجالس الحسنيّة التي تقام في المغرب أمام الطّاغوت هناك، وانظروا إلى الدّرجة التي وصلوا إليها في جعل هذا الطّاغوت أميراً للمؤمنين، يا الله.. أيّ إسلام هذا؟!! أهذا هو الإسلام الذي بعث به محمّد صلى الله عليه وسلم ؟!!، أهذا هو الإسلام الذي جاهد من أجله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!، هل مات خيار أهل الأرض من أجل دينٍ يجعل مثل العاهر الحسن الثّاني أمير المؤمنين في المغرب؟!!، هل قاتل أهل التّوحيد من أجل أن يكون أخبث أهل الأرض من آل سعود هم حكّام مكّة والمدينة؟!!. من قال عن هؤلاء علماء؟!! وبأيّ حقٍّ يجب على المسلمين محبّتهم؟!!. أوَليس القائل أنّ هؤلاء هم علماء الإسلام هو مفترٍ على الإسلام، وكاذب على الله وعلى دينه؟. حسبي الله ونعم الوكيل. حسبي الله لديننا. حسبي الله لسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ألا ليت هؤلاء العلماء هم كالجعد بن درهم وكجهم بن صفوان ولكن يقيننا أنّ هؤلاء أخبث وأدنى وأسفل. والحمد لله ربّ العالمين |
منبر التوحيد
والجهاد www.tawhed.ws |